كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال العارف ابن عربي‏:‏ رأيت الكنز الذي تحت العرش الذي خرجت منه لا حول ولا قوة إلا باللّه فإذا الكنز آدم عليه السلام ورأيت تحته كنوزاً كثيرة أعرفها اهـ‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في الإيمان ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وقال صحيح ولا أحفظ له علة وأقرّه الذهبي وقال ابن حجر‏:‏ سنده قوي اهـ‏.‏ لكن قال الحافظ العراقي في أماليه‏:‏ قد أعلّ بالاختلاف فيه على عمرو بن ميمون ولا مؤاخذة على الحاكم فيه فإنه نفى حفظه‏.‏

2871 - ‏(‏ألا أدلك‏)‏ يا أبا هريرة ‏(‏على غراس هو خير‏)‏ لك ‏(‏من هذا‏)‏ الغراس الذي تغرسه وكان قد رآه يغرس فسيلاً قال‏:‏ بلى قال‏:‏ ‏(‏تقول سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر يغرس لك بكل كلمة منها‏)‏ أي من هذه الكلمات الأربع ‏(‏شجرة في الجنة‏)‏ قد أفاد بهذا الحديث فضل هذه الكلمات وذكر الحميدي بعد التسبيح من قبيل الترقي فقد اتفقت الأخبار على أنه يملأ الميزان فهو أفضل من التسبيح وذلك لأن في التحميد إثبات سائر صفات الكمال والتسبيح تنزيه عن سمات النقص والإثبات أكمل من السلب وهذه الكلمات هي الباقيات الصالحات عند جمع جم‏.‏

- ‏(‏ه ك‏)‏ في الدعاء ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال‏:‏ مر بي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأنا أغرس فذكره قال الحاكم‏:‏ صحيح وأقره الذهبي‏.‏

2872 - ‏(‏ألا أدلك‏)‏ يا قيس بن سعد ‏(‏على باب من أبواب الجنة‏)‏ وفي رواية ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة قال‏:‏ بلى قال‏:‏ ‏(‏لا حول ولا قوة إلا باللّه‏)‏ فإنها لما تضمنت براءة النفس من حولها وقوتها إلى حول اللّه وقوته كانت موصولة إلى الجنة والباب ما يتوصل به إلى مقصود قال أبو البقاء‏:‏ يحتمل أن موضع لا حول الجر بدلاً من باب أو كنز والنصب بتقدير أعني والرفع بتقدير هو‏.‏

- ‏(‏حم ت ك‏)‏ في الأدب ‏(‏عن قيس بن سعد‏)‏ بن عبادة الخزرجي صاحب شرطة النبي صلى اللّه عليه وسلم كان جواداً نبيلاً سيداً من ذوي الرأي والدهاء والتقدم مات في آخر خلافة معاوية قال‏:‏ دفعني أبي إلى النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أخدمه فمرّ بي وقد صليت فضربني برجله وقال‏:‏ ألا أدلك فذكره قال ‏[‏ص 109‏]‏ الترمذي حسن صحيح غريب وقال الحاكم على شرطهما وأقرّه الذهبي‏.‏

2873 - ‏(‏ألا أدلكم على ما يمحو اللّه به الخطايا‏)‏ من صحف الحفظة ونحوها كناية عن غفرانها ‏(‏ويرفع به الدرجات‏)‏ أي المنازل في الجنة أو المراد رفع درجته في الدنيا بالذكر الجميل وفي العقبى بالثواب الجزيل ‏(‏إسباغ الوضوء‏)‏ أي إتمامه وإكماله واستيعاب أعضاءه بالغسل ‏(‏على المكاره‏)‏ جمع مكرهة بمعنى الكره والمشقة يعني إتمامه بإيصال الماء إلى مواضع الفرض حال كراهة فعله لشدة برد أو علة يتأذى معها بمس الماء أي من غير لحوق ضرر بالعلة وكإعوازه وتحمل مشقة طلبه أو ابتياعه بثمن غال ونحو ذلك ذكره الزمخشري ‏(‏وكثرة الخطا‏)‏ جمع خطوة بالضم وهي موضع القدمين وإذا فتحت تكون للمرة ‏(‏إلى المساجد‏)‏ وكثرتها أعم من كونها ببعد الدار أو كثرة التكرار‏.‏ قال العارف ابن عربي‏:‏ وهذا رفع الدرجات فإنه سلوك في صعود ومشي‏.‏ قال ابن سيد الناس‏:‏ وفيه أن بعد الدار عن المسجد أفضل فقد صرح به في قوله لبني سلمة وقد أرادوا أن يتحولوا قريباً من المسجد‏:‏ يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم ‏(‏وانتظار الصلاة بعد الصلاة‏)‏ سواء أدى الصلاة بجماعة أو منفرداً في مسجد أو في بيته وقيل‏:‏ أراد به الإعتكاف ‏(‏فذلكم الرباط‏)‏ أي المرابطة يعني العمل المذكور هو المرابطة لمنعه لاتباع الشهوات فيكون جهاداً أكبر أو المراد أنه أفضل أنواع الرباط كما يقال جهاد النفس هو الجهاد أي أفضل أو المراد أنه الرباط الممكن المتيسر ذكر ذلك جمع، وأصله قول البيضاوي‏:‏ المرابطة ملازمة العدو مأخوذة من الربط وهو الشد والمعنى هذه الأعمال هي المرابطة الحقيقية لأنها تسد طرق الشيطان إلى النفس وتقهر الهوى وتمنعها عن قول الوساوس واتباع الشهوات فيغلب بها جنود اللّه حزب الشيطان وذلك هو الجهاد الأكبر، إذ الحكمة في شرع الجهاد تكميل الناقصين ومنعهم عن الفساد والإغراء، قال الطيبي‏:‏ فيما ذكر معنى حديث رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر فإتيانه باسم الإشارة الدالة على بعد منزلة المشار إليه في مقام العظيم وإيقاع الرباط المحلى بلام الجنس خبراً لاسم الإشارة كما في قوله تعالى ‏{‏الم ذلك الكتاب‏}‏ إذ التعريف في الخبر للجنس ولما أريد تقرير ذلك مزيد تقرير واهتمام بشأنه كرره فقال‏:‏ ‏(‏فذلكم الرباط فذلكم الرباط‏)‏ كرره اهتماماً به وتعظيماً لشأنه وتخصيصها بالثلاث لأن الأعمال المذكورة في الحديث ثلاث وأتى باسم الإشارة إشارة إلى تعظيمه بالبعد وقيل‏:‏ أراد ثوابه كثواب الرباط‏.‏ وقال العارف ابن عربي‏:‏ الرباط الملازمة من ربطت الشيء وبالإنتظار ألزم نفسه فربط الصلاة بالصلاة المنتظرة بمراقبة دخول وقتها ليؤديها فيه وأي لزوم أعظم من هذا فإنه يوم واحد مقسم على خمس صلوات ما منها صلوات يؤديها فيفرغ من أدائها إلا وقد ألزم نفسه مراقبة دخول وقت الأخرى إلى وقت فراغ اليوم وثاني يوم آخر فلا يزال كذلك فما ثم زمان إلا يكون فيه مراقباً لوقت أداء صلاة فلذلك أكده بقوله ثلاثاً فانظر إلى علم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالأمور حيث أنزل كل عمل في الدنيا منزلة في الآخرة وعين حكمه وأعطاه حقه فذكر وضوءاً ومشياً وانتظاراً وذكر محواً ورفع درجة ورباطاً ثلاثاً لثلاث هذا يدلك على شهوده ومواضع حكمه ومن هنا وأمثاله قال عن نفسه إنه أوتي جوامع الكلم‏.‏ قال في المطامح‏:‏ وهذه الخصال هي التي اختصم فيها الملأ الأعلى كما في خبر الترمذي‏:‏ أتاني ربي في أحسن صورة فوضع يده بين كتفي‏.‏ الحديث‏.‏

- ‏(‏مالك حم م ت ن عن أبي هريرة‏)‏ ورواه عند الشافعي أيضاً‏.‏

‏[‏ص 110‏]‏ 2874 - ‏(‏ألا أدلكم على أشدكم‏)‏ قالوا‏:‏ بلى قال‏:‏ ‏(‏أملككم لنفسه عند الغضب‏)‏ لأن من لم يملكها عنده كان في قهر الشيطان وتحت أسره فهو ذليل ضعيف ومن راض نفسه بتجنب أسباب الغضب ومرنها على ما يوجب حسن الخلق وكظم الغيظ وطلاقة الوجه والبشر فقد ملك نفسه وصار الشيطان في أسره وتحت أمره‏.‏

- ‏(‏طب في‏)‏ كتاب ‏(‏مكارم الأخلاق عن أنس‏)‏ قال‏:‏ مر النبي صلى اللّه عليه وسلم بقوم يرفعون حجراً فقال‏:‏ ما يصنع هؤلاء قال‏:‏ يريدون الشدة فذكره قال الهيثمي‏:‏ فيه شعيب بن سنان وعمران القطان وثقهما ابن حبان وضعفهما غيره وبقية رجاله رجال الصحيح وقوله يرفعون هكذا روي بالفاء قال العسكري‏:‏ والصواب يربعون بموحدة تحتية‏.‏

2875 - ‏(‏ألا أدلكم على الخلفاء مني ومن أصحابي ومن الأنبياء قبلي‏)‏ قالوا‏:‏ بلى يا رسول اللّه قال‏:‏ ‏(‏هم حملة القرآن‏)‏ أي حفظته المداومون على تلاوته بتدبر ‏(‏و‏)‏ حملة ‏(‏الأحاديث عني وعنهم‏)‏ أي عن الأنبياء والصحابة ‏(‏في اللّه وإليه‏)‏ أي لا لغرض دنيا ولا لطمع في جاه ونحو ذلك فهؤلاء الفريقان هم خلفاء الدين وخلفاء اليقين على الحقيقة فأعظم بها من بشرى ما أسماها ومنقبة ما أعلاها‏.‏

- ‏(‏السجزي‏)‏ يعني السجستاني نسبة إلى سجستان البلد المعروفة ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏الإبانة‏)‏ عن أصول الديانة ‏(‏خط في‏)‏ كتاب بيان ‏(‏شرف أصحاب الحديث عن علي‏)‏ أمير المؤمنين كرم اللّه وجهه ورواه عنه أيضاً اللالكائي في السنة وأبو نعيم والديلمي باللفظ المزبور فاقتصار المصنف على ذينك غير جيد‏.‏

2876 - ‏(‏ألا أرقيك‏)‏ يا أبا هريرة ‏(‏برقية‏)‏ أي أعوذك بتعويذة يقال رقيته أرقيه رقياً وعوّذته باللّه والاسم الرقيا فعلى والمرة رقية والجمع رقى ‏(‏رقاني بها جبريل‏)‏ قال‏:‏ بلى‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏تقول بسم اللّه أرقيك واللّه يشفيك‏)‏ لفظه خبر والمراد به الدعاء ‏(‏من كل داء‏)‏ بالمد أي مرض ‏(‏يأتيك من شر النفائات في العقد‏)‏ النفوس أو الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها ويرقين والنفث النفخ مع ريق قال في الكشاف‏:‏ ولا تأثير لذلك أي للسحر اللّهم إلا إذا كان ثم إطعام شيء ضار أو سقيه أو إشمامه أو مباشرة المسحور به لكن اللّه قد يفعل عند ذلك فعلاً على سبيل الإمتحان ليميز الثبت المحق من غيره والمراد الاستعاذة من عملهن الذي هو صنعة السحر ومن إثمهن به أو أنه استعاذ من فتنتهن للناس لسحرهن وما يخدعهم به من باطلهن أو استعاذ مما يصيب اللّه به من الشر عند نفثهن ‏(‏ومن شر حاسد إذا حسد‏)‏ أي إذا أظهر حسده وعمل بقضيته من بغي الغوائل الحسود لأنه إذا لم يظهر أثر ما أضمره فلا ضرر منه يعود على المحسود بل هو الضار لنفسه لاغتمامه بسرور غيره وقد يراد بشر الحاسد إثمه وسماجة حاله في وقت حسده وإظهار أثره والحسد الأسف على الخير عند أهل الخير أو تمني زوال نعمة الغير وختم الشرور بالحسد ليعلم أنه شرها وهو أول ذنب عصي اللّه به في السماء من إبليس وفي الأرض من قابيل ‏(‏ترقي بها ثلاث مرات‏)‏ لفظ رواية الحاكم ثلاث مرار أي فإنها تنفع من كل داء إن صحبها إخلاص وصدق نية وقوة توكل‏.‏ قال في المفهم‏:‏ فيه أن ذلك لم يكن مخصوصاً بالنبي صلى اللّه عليه وسلم بل ينبغي أن يفعله كل أحد وقد تأكد بفعل النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه فتتأكد المحافظة على ذلك ففيه أسرار يدفع اللّه به هذا الإضرار‏.‏

- ‏(‏ه ك عن أبي هريرة‏)‏ قال‏:‏ جاء النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏[‏ص 111‏]‏ يعوذني فذكره ورواه الحاكم باللفظ المزبور عن أبي هريرة هكذا‏.‏

2877 - ‏(‏ألا أعلمك‏)‏ بكسر الكاف خطاباً لمؤنث بخط المصنف ‏(‏كلمات‏)‏ عبر بصيغة جمع القلة إيذاناً بأنها قليلة اللفظ فيسهل حفظها ونكرها تنويهاً بعظيم خطرها ورفعة محلها فتنوينها للتعظيم ‏(‏تقوليهن -تقوليهن بحذف نون الرفع في جميع النسخ التي اطلعت عليها فإن كانت الرواية بحذفها فهو للتخفيف- عند الكرب‏)‏ بفتح فسكون ما يدهم المرء مما يأخذ بنفسه فيحزنه ويغمه ‏(‏اللّه اللّه‏)‏ برفعهما والتكرير للتأكيد ‏(‏ربي لا أشرك به‏)‏ أي بعبادته أي فيها ‏(‏شيئاً‏)‏ من الخلق برياء أو طلب أجر لمن يسره أن يطلع على عمله فالمراد الشرك الخفي أو المراد لا أشرك بسؤاله أحداً غيره ‏{‏إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحداً‏}‏ وينبغي الاعتناء بهذا الدعاء والإكثار منه عند الكرب‏.‏

- ‏(‏حم د ه عن أسماء‏)‏ بفتح الهمزة والمد ‏(‏بنت عميس‏)‏ بضم المهملة وفتح الميم وبالمهملة الخثعمية من المهاجرات تزوجها علي كرم اللّه وجهه بعد الصديق‏.‏

2878 - ‏(‏ألا أعلمك كلمات لو كان عليك مثل جبل صبير‏)‏ بإسقاط الباء جبل طيء وأما بإثباتها فجبل باليمن والمراد هنا الأول ذكره ابن الأثير لكن وقفت على نسخة المصنف بخطه فرأيته كتبها صبير بالباء وضبطها بفتح الصاد ‏(‏ديناً‏)‏ قال الطيبي‏:‏ يحتمل كون ديناً تمييزاً عن اسم كان لما فيه من الإيهام وعليك خبره مقدماً عليه وأن يكون ديناً خير كان وعليك حال من المستتر في الخبر والعامل معنى الفعل المقدر ومن جوّز إعمال كان في الحال فظاهر على مذهبه ‏(‏أداه اللّه عنك‏)‏ إلى مستحقه وأنقذك من مذلته قال‏:‏ بلى قال‏:‏ ‏(‏قل اللّهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك‏)‏ من الخلق وفيه وفيما قبله وبعده أنه ينبغي للعالم أن يذكر للمتعلم أنه يريد تعليمه وينبهه على ذلك قبل فعله ليكون أوقع في نفسه فيشتد تشوقه إليه وتقبل نفسه عليه فهو مقدمة استرعى بها نفسه لتفهيم ما يسمع ويقع منه بموقع‏.‏

- ‏(‏حم ت ك‏)‏ في الدعاء ‏(‏عن علي‏)‏ بن أبي طالب كرم اللّه وجهه قال الترمذي‏:‏ حسن غريب وقال الحاكم‏:‏ صحيح وأقره الذهبي‏.‏

2879 - ‏(‏ألا أعلمك‏)‏ أيها الرجل الذي شكا إلينا هموماً وديوناً لزمته ‏(‏كلاماً إذا قلته أذهب اللّه تعالى همك وقضى عنك دينك‏)‏ قال‏:‏ بلى قال‏:‏ ‏(‏قل إذا أصبحت وإذا أمسيت‏)‏ أي دخلت في الصباح أو المساء ‏(‏اللّهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل‏)‏ هما متقاربان عند الأكثر لكن الحزن عن أمر انقضى والهم فيما يتوقع والكسل عند انبعاث النفس ذكره بعضهم وقال القاضي‏:‏ الهم في المتوقع والحزن فيما وقع أو الهم حزن يذيب الجسم يقال همني الأمر بمعنى أذابني وسمي به ما يعتري الإنسان من شدائد الغم لأنه يذيبه فهو أبلغ من الحزن الذي أصله الخشونة والعجز أصله التأخر عن الشيء من العجز وهو مؤخر الشيء وللزومه الضعف والقصور عن الإتيان بالشيء استعمل في مقابلة القدرة واشتهر فيها والكسل التثاقل عن الشيء مع وجود القدرة والداعية إليه ‏(‏وأعوذ بك من الجبن‏)‏ أي ضعف القلب ‏(‏والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين‏)‏ أي استيلائه وكثرته ‏(‏وقهر الرجال‏)‏ غلبتهم وقال النوربشتي‏:‏ ‏[‏ص 112‏]‏ غلبة الدين أن يثقله حتى يميل صاحبه عن الاستواء لثقله وقهر الرجال الغلبة لأن القهر يراد به السلطان ويراد به الغلبة وأريد به هنا الغلبة لما في غير هذه الرواية وغلبة الرجال كأنه أراد به هيجان النفس من شدة الشبق وإضافته إلى المفعول أي يغلبهم ذلك إلى هذا المعنى سبق فهمي ولم أجد في تفسيره نقلاً‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ قهر الرجال جور السلطان وقال الطيبي‏:‏ من مستهل الدعاء إلى قوله والجبن يتعلق بإزالة الهم والآخر بقضاء الدين فعليه قوله قهر الرجال إما أن يكون إضافته إلى الفاعل أي قهر الدين إياه وغلبته عليه بالتقاضي وليس معه ما يقضي دينه أو إلى المفعول بأن لا يكون له أحد يعاونه على قضاء دين من رجاله وأصحابه قال الرجل‏:‏ ففعلت ذلك فأذهب اللّه همي وغمي وقضى ديني‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في الصلاة ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري قال‏:‏ دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المسجد فإذا برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال‏:‏ أراك جالساً هنا في غير وقت الصلاة فقال‏:‏ هموم لزمتني وديون فذكره قال الصدر المناوي‏:‏ فيه غسان بن عوف بصري ضعيف‏.‏

2880 - ‏(‏ألا أعلمك‏)‏ يا علي ‏(‏كلمات إذا قلتهن غفر اللّه لك‏)‏ أي الصغائر ‏(‏وإن كنت مغفوراً لك‏)‏ الكبائر قال‏:‏ علمني‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏قل لا إله إلا اللّه العلي العظيم، لا إله إلا اللّه الحليم الكريم، لا إله إلا اللّه سبحان اللّه رب السماوات السبع ورب العرش العظيم والحمد للّه رب العالمين‏)‏ قال الحكيم‏:‏ هذه جامعة وحده أولاً ثم وصفه بالعلو والعظمة ونزهه بهما عن كل سوء منزه منه علا عن شبه المخلوقين وعظمه عن درك المنكرين أن تبلغه قرائهم ثم وحده ثانية ثم وصفه بالحلم والكرم، حلم فوسعهم حلماً وكرم فغمرهم بكرمه عاملوه بما يحبه فعاملهم بما يحبون ثم عفى عنهم وقال في تنزيله ‏{‏وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون‏}‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏ولقد عفى عنكم‏}‏ هذه معاملته ثم تنزه بالتسبيح وختمه بالتحميد‏.‏

- ‏(‏ت عن علي‏)‏ أمير المؤمنين رضي اللّه عنه ورواه الحاكم وقال‏:‏ على شرطهما وأقره الذهبي وقال ابن حجر في فتاويه‏:‏ أخرجه النسائي بمعناه وسنده صحيح وأصله في البخاري من طريق آخر اهـ‏.‏ ‏(‏ورواه خط‏)‏ في التاريخ ‏(‏بلفظ إذا أنت قلتهن وعليك مثل عدد الذر‏)‏ بذال معجمة ثم راء أي صغار النمل ‏(‏خطايا غفر اللّه لك‏)‏ وهكذا رواه أيضاً الطبراني قال الهيثمي‏:‏ وفيه حبيب ابن حبيب أخو حمزة الزيات وهو ضعيف اهـ‏.‏

2881 - ‏(‏ألا أعلمك خصلات‏)‏ إذا عملت بهن ‏(‏ينفعك اللّه تعالى بهن‏)‏ قال‏:‏ علمني فقال‏:‏ ‏(‏عليك بالعلم‏)‏ أي الزمه تعلماً وتعليماً والمراد العلم الشرعي ويلحق به آلته ‏(‏فإن العلم خليل المؤمن‏)‏ لأنه قد خلَّه أي ضمه إلى الإيمان فإنه لما علم اهتدى فمال إلى من آمن به ليأتمر وينتهي بنهيه والخلة لغة الضم فكذا العلم لما ظهر في صدر المؤمن وجمعه حتى لا تنتشر جوارحه في شهواته وهواه سمي خليله ‏(‏والحلم وزيره‏)‏ لأن الحلم سعة الصدر وطيب النفس فإذا اتسع الصدر وانشرح بالنور أبصرت النفس رشدها من غيها وعواقب الخير والشر فطابت وإنما تطيب النفس بسعة الصدر وإنما تتسع ولوج النور الإلهي فإذا أشرق نور اليقين في صدره ذهبت الحيرة وزالت المخاوف واستراح القلب وهي صفة الحلم فهو وزير المؤمن يؤازره على أمر ربه على ما يقتضيه العلم فإذا نفد الحلم ضاقت النفس ‏[‏ص 113‏]‏ وانفرد بلا وزير ‏(‏والعقل دليله‏)‏ على مراشد الأمور يبصره عيوبها ويهديه لمحاسنها ويزجره عن مساويها ‏(‏والعمل قيمه‏)‏ يهيء له مساكن الأبرار في دار القرار ويدبر له في معاشه طيب الحياة ‏{‏من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم‏}‏ الآية‏.‏ فالقيم شأنه أن يتوكل على اللّه حتى يكفيه مهماته ‏(‏والرفق أبوه‏)‏ فالأب له تربية ومع التربية عطف وحنو وتلطف بالولد فكذا الرفق يحوطه ويتلطف له في أموره ويعطف عليه في الراحة ‏(‏واللين أخوه‏)‏ فكما أن الأخ معتمد أخيه به استراحته وإذا أعيا استند إليه فاستراح فكذا اللين راحة المؤمن يهدي نفسه ويطمئن قلبه ويستريح بدنه من الحدة والشدة والغضب وعذاب النفس ‏(‏والصبر أمير جنوده‏)‏ لأن الصبر ثبات القلب على عزمه فإذا ثبت الأمير ثبت الجند لحرب العدو وإذا أتت النفس بلذاتها فغلبت القلب حتى تستعمل الجوارح في المنهي فقد ذهب الصبر وهو ذهاب العزم فبقي القلب أسيراً للنفس فانهزم العقل والحلم والعلم والرفق واللين وجميع جنوده الذي أعطيها‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏عن ابن عباس‏)‏‏.‏

2882 - ‏(‏ألا أعلمك كلمات من يرد اللّه به خيراً‏)‏ أي كثيراً ‏(‏يعلمهن إياه‏)‏ بأن يلهمه إياها ويسخر له من يعلمه ذلك ‏(‏ثم لا ينسيه‏)‏ اللّه إياهن ‏(‏أبداً‏)‏ قال‏:‏ علمني قال‏:‏ ‏(‏قل اللّهم إني ضعيف‏)‏ أي عاجز يقال ضعف عن الشيء عجز عن احتماله ‏(‏فقوّ في رضاك ضعفي‏)‏ أي اجبره به والضعف بفتح في الضاد في لغة تميم وبضمها في لغة قريش خلاف القوة والصحة حسياً كان ذلك كضعف الجسد أو معنوياً كضعف الرأي أو قلة الاحتمال ‏(‏وخذ إلى الخير بناصيتي‏)‏ أي جرني إليه ودلني عليه ‏(‏واجعل الإسلام منتهى رضاي‏)‏ أي غايته وأقصاه ‏(‏اللّهم إني ضعيف فقوني وإني ذليل‏)‏ أي مستهان بي عند الناس ‏(‏فأعزني وإني فقير فارزقني‏)‏ أي ابسط لي في رزقي وفي رواية بدله فأغنني‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص ‏(‏ع ن عن بريدة‏)‏ بن الحصيب قال الهيثمي‏:‏ فيه أبو داود الأعمى وهو متروك وفي محل آخر واه ضعيف جداً انتهى وقال غيره كذاب‏.‏

2883 - ‏(‏ألا أعلمك كلمات ينفعك اللّه بهن وتنفع من علمته‏)‏ إياهن قال‏:‏ علمنيهن قال‏:‏ ‏(‏صل ليلة الجمعة‏)‏ أيُّ ليلة جمعة كانت ‏(‏أربع ركعات‏)‏ أمر بالصلاة قبل الدعاء لأن طالب الحاجة يحتاج إلى قرع من بيده الأمر كله وأفضل قرع بابه بالصلاة لما فيها من تعظيم اللّه وتمجيده والثناء عليه والخشوع والافتقار والخضوع وغير ذلك ‏(‏تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب‏)‏ أي بسورة الفاتحة بتمامها ‏(‏ويس‏)‏ أي وبعدها تقرأ سورة يس بكمالها ‏(‏وفي الثانية بفاتحة الكتاب‏)‏ بتمامها ‏(‏وحم الدخان‏)‏ وبعدها تقرأ سورة حم الدخان بتمامها ‏(‏وفي الثالثة بفاتحة الكتاب‏)‏ بكمالها ‏(‏وبالم السجدة‏)‏ أي وتقرأ بعدها سورة السجدة ‏(‏وفي الرابعة بفاتحة الكتاب‏)‏ بتمامها ‏(‏وتبارك المفصل‏)‏ أي تقرأ بعدها سورة تبارك الذي هي من المفصل ‏(‏فإذا فرغت من التشهد‏)‏ في آخر الرابعة ‏(‏فاحمد اللّه وأثن عليه‏)‏ بما يستحقه من المحامد ‏[‏ص 114‏]‏ والثناء وظاهر هذا أن يأتي بذلك قبل السلام ‏(‏وصل على النبيين‏)‏ المراد بهم هنا ما يشمل المرسلين جميعاً ‏(‏واستغفر للمؤمنين‏)‏ أي والمؤمنات كما في نظائره ‏(‏ثم‏)‏ بعد إتيانك بذلك ‏(‏قل اللّهم ارحمني بترك المعاصي‏)‏ جمع معصية ‏(‏أبداً ما أبقيتني‏)‏ أي مدة دوام بقائك لي في الدنيا ‏(‏وارحمني من أن أتكلف ما لا يعنيني‏)‏ من قول أو فعل فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ‏(‏وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني اللّهم بديع‏)‏ بحذف حرف النداء وهو مراد ‏(‏السماوات والأرض‏)‏ أي مبتدعهما يعني مخترعهما على غير مثال سبق ‏(‏ذا الجلال‏)‏ أي العظمة ‏(‏والإكرام والعزة التي لا ترام‏)‏ أي لا يرومها مخلوق لتفردك بها ‏(‏أسألك يا اللّه يا رحمن بجلالك‏)‏ أي بعظمتك ‏(‏ونور وجهك‏)‏ الذي أشرقت له السماوات والأرض ‏(‏أن تلزم قلبي حب كتابك‏)‏ يعني القرآن ‏(‏كما علمتني‏)‏ إياه والظاهر أن المراد تعقل معانيه ومعرفة أسراره فإن قوله كما علمتني يشير إلى أنه يدعو بذلك وهو حافظ له قائل له بلسانه فإن المراد المعرفة العلمية القلبية ‏(‏وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني‏)‏ بأن توفقني إلى النطق به على الوجه الذي ترضاه في حسن الأداء ‏(‏وأسألك أن تنور بالكتاب بصري وتطلق به لساني وتفرج به كربي وتشرح به صدري وتستعمل به بدني وتقويني على ذلك وتعينني عليه فإنه لا يعينني على الخير غيرك ولا يوفق له إلا أنت فافعل ذلك ثلاث جمع أو خمساً أو سبعاً تحفظه بإذن اللّه، وما أخطأ مؤمناً قط‏)‏ -‏[‏‏"‏وما أخطأ مؤمنا قط‏"‏‏:‏ أي أن فائدة هذا الدعاء لم تفشل قط في إدراك المؤمن إذا دعا به‏.‏ دار الحديث‏]‏- بنصب مؤمن بخط المصنف‏.‏

- ‏(‏ت طب عن ابن عباس وأورده ابن الجوزي في الموضوعات فلم يصب‏)‏ في إيراده لأنه غايته أنه ضعيف‏.‏

2884 - ‏(‏ألا أنبئك بشر الناس‏)‏ أي بمن هو شرهم قال‏:‏ بلى قال‏:‏ ‏(‏من أكل وحده‏)‏ بخلاً وشحاً أن يأكل معه نحو ضيفه أو تكبراً أو تيهاً أن يأكل معه عياله وأولاده ‏(‏ومنع رفده‏)‏ بالكسر عطاءه وصلته ‏(‏وسافر وحده‏)‏ أي منفرداً عن الرفقة ‏(‏وضرب عبده‏)‏ يعني قنه عبداً أو أمة ‏(‏ألا أنبئك بشر من هذا‏)‏ الإنسان المتصف بهذه القبائح قال‏:‏ أنبئني قال‏:‏ ‏(‏من‏)‏ أي إنسان ‏(‏يبغض الناس ويبغضونه‏)‏ لدلالته على أن الملأ الأعلى يبغضه وأن اللّه يبغضه ‏(‏ألا أنبئك بشر من هذا‏)‏ الإنسان الذي هو في عداد الأشقياء ‏(‏من يخشى‏)‏ بالبناء للمجهول أي من يخاف الناس ‏[‏ص 115‏]‏ ‏(‏شره ولا يرجى خيره‏)‏ أي ولا يرجى الخير من جهته ‏(‏ألا أنبئك بشر من هذا‏)‏ الإنسان الذي هو من أهل النيران ‏(‏من باع آخرته بدنيا غيره‏)‏ إذ هو أخس الأخساء وأخسر الناس صفقة وأطولهم ندامة يوم القيامة ‏(‏ألا أنبئك بشر من هذا من أكل الدنيا بالدين‏)‏ كالعالم الذي جعل علمه مصيدة يصطاد بها الحكام ومرقاة لمصاحبة الحكام والزاهد الذي قصد بزهده ولبسه الصوف أن يعتقد ويتبرك به فيعطي ويعظم في النفوس فمن طلب الدنيا بالدين فما أعظم مصيبته وما أطول بغيه وأقطع خزيه وخسرانه فإن الدنيا التي يطلبها بالدين لا تسلم له والآخرة تسلب منه فمن طلبها بهما خسرهما جميعاً ومن ترك الدنيا للدين ربحهما جميعاً‏.‏

من كلماتهم البليغة‏:‏ أرضى الناس بالخسار بائع الدين بالدينار‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن معاذ‏)‏ بن جبل، ورواه الطبراني من حديث ابن عباس وضعفه المنذري‏.‏

2885 - ‏(‏ألا أنبئكم بخياركم‏)‏ أي بالذين هم من خياركم أيها المؤمنون قالوا‏:‏ بلى قال‏:‏ ‏(‏الذين إذا رؤوا ذكر اللّه‏)‏ أي بسمتهم وهيئتهم لكون الواحد منهم حزيناً منكسراً مطرقاً صامتاً تظهر أثر الخشية على هيئته وسيرته وحركته وسكونه ونطقه لا ينظر إليه ناظر إلا كان نظره مذكراً باللّه وكانت صورته دليلاً على علمه فأولئك يعرفون بسيماهم في السكينة والذلة والتواضع وقال العارف ابن عربي‏:‏ من تحقق بعبوديته وتستر بعبادته بحيث إذا رؤي في غاية الضعف ذكر اللّه عند رؤيته فذلك عندنا هو الولي فهؤلاء هم الذين إذا رؤوا ذكر اللّه من صبرهم على البلاء ومحنة اللّه لهم الظاهرة فلا يرفعون رؤوسهم لغير اللّه في أحوالهم فإذا رؤي منهم مثل هذه الصفة ذكر اللّه بكونه اختصهم لنفسه قال‏:‏ ومن لا علم له بما قلنا يقول الولي صاحب الحال هو الذي له التكوين والفعل بالهمة والتحكم في العالم والقهر والسلطان وهذه كلها أوصاف فإذا رؤوا ذكر اللّه وهذا قول من لا يعلم ومقصود الشارع ما ذكرناه‏.‏

- ‏(‏حم ه‏)‏ وكذا أبو نعيم ‏(‏عن أسماء بنت يزيد‏)‏ من الزيادة ابن السكن الأنصارية صحابية جليلة صاحبة حديث قال الهيثمي‏:‏ فيه شهر بن حوشب وثقه غير واحد وضعف وبقية رجال أحد إسناديه رجال الصحيح‏.‏

2886 - ‏(‏ألا‏)‏ قال القاضي‏:‏ حرف تنبيه يؤكد بها الجملة المصدرة بها ‏(‏أنبئكم بخير أعمالكم‏)‏ أي أفضلها ‏(‏وأزكاها عند مليككم‏)‏ أي أنماها وأطهرها عند ربكم ومالككم ‏(‏وأرفعها في درجاتكم‏)‏ أي منازلكم في الجنة ‏(‏وخير لكم من إنفاق الذهب‏)‏ قال الطيبي‏:‏ مجرور عطف على خير أعمالكم من حيث المعنى لأن المعنى ألا أنبئكم بما هو خير لكم من بذل أموالكم ونفوسكم ‏(‏والورق‏)‏ بكسر الراء الفضة ‏(‏وخير لكم من أن تلقوا عدوكم‏)‏ يعني الكفار ‏(‏فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم‏)‏ يعني تقتلوهم ويقتلونكم بسيف أو غيره ‏(‏ذكر اللّه‏)‏ لأن سائر العبادات من الإنفاق ومقاتلة العدو وسائل ووسائط يتقرب بها إلى ‏[‏ص 116‏]‏ اللّه تعالى والذكر هو المقصود الأسنى ورأس الذكر قول لا إله إلا اللّه وهي الكلمة العليا وهي القطب الذي يدور عليه رحى الإسلام والقاعدة التي بني عليها أركان الدين والشعبة التي هي أعلى شعب الإيمان بل هي الكل وليس غيره ‏{‏قل إنما يوحى إليَّ أنما الهكم إله واحد‏}‏ أي الوحي مقصور على استئثار اللّه بالوحدانية لأن القصد الأعظم من الوحي التوحيد ‏{‏وما أمروا إلا ليعبدوا اللّه‏}‏ ولأمر ما تجد العارفين يؤثرونها على جميع الأذكار لما فيها من الخواص التي لا طريق إلى معرفتها إلا الوجدان والذوق قالوا‏:‏ وهذا محمول على أن الذكر كان أفضل للمخاطبين به ولو خوطب به شجاع باسل حصل به نفع الإسلام في القتال لقيل له الجهاد، أو الغنى الذي ينتفع به الفقراء بماله قيل له الصدقة، والقادر على الحج قيل له الحج، أو من له أصلان قيل له برهما وبه يحصل التوفيق بين الأخبار وقال ابن حجر‏:‏ المراد بالذكر هنا الذكر الكامل وهو ما اجتمع فيه ذكر اللسان والقلب بالشكر واستحضار عظمة الرب وهذا لا يعدله شيء وأفضل الجهاد وغيره إنما هي بالنسبة إلى ذكر اللسان المجرد وهذا الحديث يقتضي أن الذكر أفضل من تلاوة القرآن وقضية الحديث المار وهو قوله أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن يقتضي عكسه فوقع التعارض بينهما وجمع الغزالي بأن القرآن أفضل لعموم الخلق والذكر أفضل للذاهب إلى اللّه في جميع أحواله في بدايته ونهايته فإن القرآن مشتمل على صنوف المعارف والأحوال والإرشاد إلى الطريق فما دام العبد مفتقراً إلى تهذيب الأخلاق وتحصيل المعارف فالقرآن أولى له فإن جاوز ذلك واستولى الذكر على قلبه فمداومة الذكر أولى به فإن القرآن يجاذب خاطره ويسرح به في رياض الجنة والذاهب إلى اللّه لا ينبغي أن يلتفت إلى الجنة بل يجعل همه هماً واحداً وذكره ذكراً واحداً ليدرك درجة الفناء والاستغراق ولذلك قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولذكر اللّه أكبر‏}‏‏.‏‏.‏

أخذ ابن الحاج من ذلك ترك طلب الدنيا أعظم عند اللّه من أخذها والتصدق بها وأيده بما في القوت عن الحسن أنه لا شيء أفضل من رفض الدنيا وبما في غيره عنه أنه سئل عن رجلين طلب أحدهما الدنيا بحلالها فأصابها فوصل بها رحمه وقدم فيها لنفسه وترك الآخر الدنيا فقال‏:‏ أحبهما إليَّ الذي جانب الدنيا‏.‏ ‏(‏تنبيه آخر‏)‏ قد أخذ الصوفية بقضية هذا الحديث فذهبوا أنه لا طريق إلى الوصول إلا الذكر قالوا‏:‏ فالطريق في ذلك أولاً أن يقطع علائق الدنيا بالكلية ويفرغ قلبه عن الأهل والمال والولد والوطن والعلم والولاية والجاه ويصير قلبه إلى حالة يستوي عنده فيها وجود ذلك وعدمه ثم يخلو بنفسه مع الاقتصار على الفرض والراتبة ويقعد فارغ القلب مجموع الهم ولا يفرق فكره بقراءة ولا غيرها بل يجتهد أن لا يخطر بباله شيء سوى ذكر اللّه فلا يزال قائلاً بلسانه اللّه اللّه على الدوام مع حضور قلبه إلى أن ينتهي إلى حالة يترك تحريك اللسان ويرى كأن الكلمة جارية عليه ثم يصير إلى أن ينمحي أثره من اللسان فيصادف قلبه مواظباً على الذكر ثم تنمحي صورة اللفظ ويبقى معنى الكلمة مجرداً في قلبه لا يفارقه وعند ذلك انتظار الفتح وردّ عليهم النظار وذوي الاعتبار بما حاصله أن تقديم تعلم العلم أوفق وأقرب إلى الغرض ثم لا بأس أن يعقبه بالمجاهدة المذكورة‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في الدعوات ‏(‏ه‏)‏ في ثواب التسبيح ‏(‏ك‏)‏ في الدعاء والذكر ‏(‏عن أبي الدرداء‏)‏ عويمر قال الحاكم‏:‏ صحيح وأقره الذهبي ورواه أحمد أيضاً قال الهيثمي‏:‏ وسنده حسن‏.‏

2887 - ‏(‏ألا يا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا‏)‏ أي مشغولة بلذات المطاعم والملابس غافلة عن أعمال الآخرة ‏(‏جائعة عارية‏)‏ بالرفع خبر المبتدأ أي هي لأنه إخبار عن حالها ‏(‏يوم القيامة‏)‏ أي تحشر جائعة عارية يوم الموقف الأعظم ‏(‏ألا ‏[‏ص 117‏]‏ يا رب نفس جائعة عارية في الدنيا طاعمة‏)‏ من طعام دار الرضى ‏(‏ناعمة يوم القيامة‏)‏ بطاعتها مولاها وعدم رضاها بما رضي به الكفار في الدنيا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة‏}‏ ‏(‏ألا يا رب مكرم لنفسه‏)‏ بمتابعة هواها وتبليغها مناها بتبسطه بألوان طعام الدنيا وشرابها وتزينه بملابسها ومراكبها وتقلبه في مبانيها وزخاريفها ‏(‏وهو لها مهين‏)‏ فإن ذلك يبعده عن اللّه ويوجب حرمانه من منال حظ المتقين في الآخرة ‏(‏ألا يا رب مهين لنفسه‏)‏ بمخالفتها وإذلالها وإلزامها بعدم التطاول والاقتصار على الأخذ من الدنيا بأطراف الأصابع بقدر الحاجة ‏(‏وهو لها مكرم‏)‏ يوم العرض الأكبر لسعيه لها فيما يوصلها إلى السعادة الدائمة الأبدية والراحة المتصلة السرمدية وللّه در القائل وهو أبو إسحاق الشيرازي‏:‏

صبرت على بعض الأذى خوف كله * ودافعت عن نفسي بنفسي فعزت

وجرّعتها المكروه حتى تجرّعت * ولـو جملـة جرّعتها لاشمأزت

فيا رب عز ساق للنفس ذلة * ويا رب نفس بالتذلل عزت

وما العز إلا خيفة اللّه وحده * ومن خاف منه خافه ما أقلت

‏(‏ألا يا رب متخوض ومتنعم فيما أفاء اللّه على رسوله ماله عند اللّه من خلاق‏)‏ أي نصيب في الآخرة لاستيفائه حظ نفسه في الدنيا فعلى المتصرف في الأموال العامة إذا أراد سلوك مناهج السلامة الاقتصار على الكفاف وقبض اليد عن التبسط في الاختصاص بالمال العام وقد فرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعتاب حين ولاه مكة عام الفتح درهماً شرعياً كل يوم وقد فرض عمر لنفسه ولأهله لما ولي الخلافة وكذا فعل ابن عبد العزيز ‏(‏ألا وإن عمل الجنة‏)‏ أي العمل الذي يقرَّب منها ويوصل إليها ‏(‏حزن‏)‏ ضد السهل ‏(‏بربوة‏)‏ بضم الراء وتفتح مكان مرتفع سمي ربوة لأنها ربت فعلت ‏(‏ألا وإن عمل النار‏)‏ أي العمل الذي يقرَّب منها ويوصل إليها ‏(‏سهل بسهوة‏)‏ بسين مهملة أرض لينة التربة شبه المعصية في سهولتها على مرتكبها بأرض سهلة لا حزونة فيها وإيضاح ذلك أن طريق الجنة وإن كانت مشقة على النفس لاشتمالها على مخالفة هواها بتجنب ما تهواه وفعل ما يشق عليها فلا يتوصل إليها إلا بارتكاب ما يشق على النفس وترك ما تشتهيه من لذاتها لكن ليس في ذلك خطر الهلاك إذ لا خطر في قهر النفس وترك شهواتها ‏(‏ألا يا رب شهوة ساعة‏)‏ واحدة كشهوة نظر إلى مستحسن محرّم يفضي به إلى مواقعة كبيرة أو كلمة باطلة يمنع بها حقاً أو يحق بها باطلاً كأن يقتطع بها مال مسلم أو يسفك دمه أو يهتك عرضه ‏(‏أورثت حزناً طويلاً‏)‏ في الدنيا والآخرة فالعاقل الحازم لنفسه المحتاط لها يأخذ لنفسه من الدنيا بقصد الحاجة لا بقصد اللذة ويأخذ لأهله ولغيره بالحاجة واللذة لا بالتطاول وفي الحديث أعظم زجر عن متابعة الشهوات وأبلغ حث على حفظ اللسان والجنان وهو من جوامع الكلم‏.‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ في الطبقات ‏(‏هب عن أبي البجير‏)‏ بالجيم صحابي قال الذهبي‏:‏ له حديث وخرجه عنه الديلمي في مسند الفردوس أيضاً وعزاه المنذري إلى تخريج ابن أبي الدنيا ثم ضعفه‏.‏

2888 - ‏(‏إياك‏)‏ منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره من قبيل قولهم إياك والأسد وأهلك والليل وتقديره هنا باعد واتق ‏(‏وكل أمر يعتذر منه‏)‏ أي احذر أن تتكلم بما تحتاج أن تعتذر عنه‏.‏ قال ذا النون‏:‏ ثلاثة من أعلام الكمال‏:‏ ‏[‏ص 118‏]‏ وزن الكلام قبل التفوه به، ومجانبة ما يحوج إلى الاعتذار، وترك إجابة السفيه حلماً عنه، وأخرج أحمد في الزهد عن سعد بن عبادة أنه قال لابنه‏:‏ إياك وما يعتذر منه من القول والعمل وافعل ما بدا لك وفي رواية فإنه لا يعتذر من خير وخرَّج ابن عساكر عن ميمون بن مهران قال لي عمر بن عبد العزيز‏:‏ احفظ عني أربعاً‏:‏ لا تصحب سلطاناً وإن أمرته بمعروف ونهيته عن منكر، ولا تخلون بامرأة وإن أقرأتها القرآن، ولا تصلنَّ من قطع رحمه فإنه لك أقطع ولا تتكلمنَّ بكلام تعتذر منه غداً‏.‏ وأخرج القالي في أماليه عن بعضهم‏:‏ دع ما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره فلست بموسع عذراً كل من أسمعته نكراً، وهذا الحديث عده العسكري من الأمثال وقد قال جمع‏:‏ بهاتين الكلمتين جميع آداب الدنيا والدين وفيه جمع لما ذكره بعض سلفنا الصوفية أنه لا ينبغي دخول مواضع التهم ومن ملك نفسه خاف من مواضع التهم أكثر من خوفه من وجود الألم فإن دخولها يوجب سقم القلب كما يوجب الأغذية الفاسدة سقم البدن فإياك والدخول على الظلمة وقد رأى العارف أبو هاشم عالماً خارجاً من بيت القاضي فقال له‏:‏ نعوذ باللّه من علم لا ينفع‏.‏

- ‏(‏الضياء‏)‏ المقدسي ‏(‏عن أنس‏)‏ قال‏:‏ قال رجل‏:‏ يا رسول اللّه أوصني وأوجز فذكره ورواه عنه أيضاً الديلمي في مسند الفردوس وسنده حسن قال‏:‏ وأخرج البخاري في تاريخه وأحمد في الإيمان والطبراني في الكبير بسند جيد عن سعد بن عبادة الأنصاري وله صحبة موقوفاً انظر إلى ما يعتذر منه من القول والفعل فاجتنبه وأخرجه الحاكم في المستدرك من حديث سعد والطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر وجابر بلفظ إياك وما يعتذر منه‏.‏

2889 - ‏(‏إياك‏)‏ بكسر الكاف خطاباً لمؤنث ‏(‏وما يسوء الأذن‏)‏ قال ذلك ثلاثاً والمراد احذري النطق بكلام يسوء غيرك إذا سمع عنك ذلك فإنه موجب للتنافر والتقاطع والعداوة وربما أوقع في الشرور والمراد بالأذن قوة منبثة في العصب المفروش في قعر الصماخ، فيه تحذير من الغيبة لوخامة عاقبتها‏.‏

- ‏(‏حم م عن ابن أبي الغادية‏)‏ بغين معجمة في خط المصنف قال‏:‏ خرجت أنا وحبيب بن الحرث وأم العلاء مهاجرين إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأسلمنا فقالت المرأة‏:‏ أوصني فذكره ‏(‏أبو نعيم في المعرفة‏)‏ أي في كتاب معرفة الصحابة من طريق محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن العاص بن عمرو الطفاوي بن حبيب ‏(‏بن الحارث‏)‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه أوصني فذكره قال في الإصابة‏:‏ العاص مجهول ‏(‏طب عن عمة العاص بن عمرو الطفاوي‏)‏ بضم الطاء وفتح الفاء وبعد الألف واو نسبة إلى طفاوة بطن من قيس عيلان قال‏:‏ حدثتني عمتي قالت‏:‏ دخلت مع ناس على النبي صلى اللّه عليه وسلم قلت‏:‏ حدثني حديثاً ينفعني اللّه به فذكره قال الهيثمي‏:‏ فيه العاص بن عمرو الطفاوي وهو مستور روى عنه محمد بن عبد الرحمن الطفاوي وتمام بن السريع وبقية رجال المسند رجال الصحيح اهـ وقال السخاوي‏:‏ هذا مرسل فالعاص لا صحبة له وقال شيخي يعني ابن حجر مجهول لكن ذكره ابن حبان في الثقات اهـ ولذلك لم يذكره الذهبي في الصحابة‏.‏

2890 - ‏(‏إياك وقرين السوء‏)‏ بالفتح مصدر ‏(‏فإنك به تعرف‏)‏ أي تشتهر بما اشتهر من السوء قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً‏}‏ ومن ثم قالوا‏:‏ الإنسان موسوم بسيما من يقارن ومنسوب إليه أفاعيل من صاحب‏.‏ وقال علي كرم اللّه وجهه‏:‏ الصاحب مناسب، ما شيء أدل على شيء ولا الدخان على النار من الصاحب على الصاحب‏.‏ وقال بعض الحكماء‏:‏ اعرف أخاك بأخيه قبلك وقال آخر‏:‏ يظن بالمرء لا يظن بقرينه قال عدي‏:‏

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه * فكل قرين بالمقارن يقتدي

فمقصود الحديث التحرز من أخلاء السوء وتجانب صحبة الريب ليكون موفور العرض سليم العيب فلا يلام ‏[‏ص 119‏]‏ بلائمة غيره‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن أنس‏)‏‏.‏

2891 - ‏(‏إياك والسمر بعد هدأة‏)‏ بفتح وسكون ‏(‏الرجل‏)‏ بكسر الراء وسكون الجيم وفي رواية الليل بدل الرجل ذكره المصنف على حاشية نسخته -ومراده النهي عن التحدث بعد سكون الناس وأخذهم مضاجعهم ثم علل ذلك بقوله‏:‏ فإنكم- ‏(‏فإنكم لا تدرون ما يأتي اللّه تعالى في خلقه‏)‏‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في الأدب ‏(‏عن جابر‏)‏ وقال‏:‏ على شرط مسلم وأقره الذهبي‏.‏

2892 - ‏(‏إياك والتنعم فإن عباد اللّه ليسوا بالمتنعمين‏)‏ لأن التنعم بالمباح وإن كان جائزاً لكنه يوجب الأنس به ثم إن هذا محمول على المبالغة في التنعم والمداومة على قصده فلا ينافيه ما ورد في المستدرك وغيره أن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أهديت له حلة اشتريت بثلاثة وثلاثين بعيراً وناقة فلبسها مرة على أنه وإن داوم على ذلك فليس غيره مثله فإن المعصوم واقف على حدود المباح فلا يحمله ذلك على ما يخاف غائلته من نحو بطر وأشر ومداهنة وتجاوز إلى مكروه ونحو ذلك وأما غيره فعاجز عن ذلك فالتفريج على تنعمه بالمباح خطر عظيم لإبعاده عن الخوف قال العارف الجنيد‏:‏ دخلت على العارف السري وهو يبكي فسألته فقال‏:‏ جاءته البارحة الصبية فقالت‏:‏ يا أبت هذا الكوز أعلقه لك يبرد فنمت فرأيت جارية من أحسن الخلق نزلت من السماء فقلت‏:‏ لمن أنت قالت‏:‏ لمن لا يشرب الماء المبرد فكسرت الكوز‏.‏

- ‏(‏حم هب عن معاذ‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ رجال أحمد ثقات وقال المنذري بعد ما عزاه لأحمد والبيهقي‏:‏ رواة أحمد ثقات‏.‏

2893 - ‏(‏إياك والحلوب‏)‏ أي احذر ذبح شاة ذات لبن فعولة بمعنى مفعولة يقال‏:‏ ناقة حلوب أي هي مما يحلب قاله لأبي التيهان الأنصاري لما أضافه فأخذ الشفرة وذهب ليذبح له وفيه قصة طويلة مشهورة في الأطعمة -وسببه أن سيد المرسلين رأى من نفسه جوعاً فخرج فرأى أبا بكر وعمر قال‏:‏ قوما فقاما معه إلى بعض بيوت الأنصار وسألهما عما أخرجهما فقالا‏:‏ الجوع يا رسول اللّه فقال‏:‏ وأنا كذلك والذي نفسي بيده فلم يجدوا الرجل وأخبرت امرأته أنه ذهب يستعذب الماء وأمرتهم بالجلوس ورحبت بهم وأهلت فجاء الرجل ليذبح وفرح بهم قائلاً‏:‏ من أكرم مني اليوم أضيافاً‏.‏ فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ إياك فذكره وفي مسلم أنه صلى اللّه عليه وسلم خرج ذات ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال‏:‏ ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة قالا‏:‏ الجوع يا رسول اللّه قال‏:‏ وأنا والذي نفسي بيده أخرجني الذي أخرجكما قوما فقاما معه فأتوا رجلاً من الأنصار وهو أبو الهيثم بن التيهان فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب فقال‏:‏ كلوا وأخذ المدية فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ إياك والحلوب فذبح لهم شاة فأكلوا منها ومن ذلك العذق وشربوا حتى شبعوا ورووا- كلاهما ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ ولم يخرجه البخاري وخرَّجه الترمذي في الشمائل مطولاً‏.‏

2894 - ‏(‏إياك والخمر‏)‏ أي احذر شربها ‏(‏فإن خطيئتها تفرع‏)‏ بمثناة فوقية مضمومة وفاء وراء مشددة وعين مهملة ‏(‏الخطايا‏)‏ أي تطول وتكثر الذنوب يعني خطيئة الشرب تطول سائر الخطايا وتعلوها وتزيد عليها ‏(‏كما أن شجرتها‏)‏ يعني الكرمة ‏(‏تفرع الشجر‏)‏ أي تطول سائر الشجر التي تتعلق بها وتتسلق عليها فتعلوها شبه المعقول بالمحسوس وجعل ‏[‏ص 120‏]‏ الأحكام الشرعية كالأعيان المرئية والخمر طريق إلى الفواحش ومحسنة لها ومرقاة إلى كل خبيئة ولذا سميت أمُّ الخبائث‏.‏

- ‏(‏ه عن خباب‏)‏ بن الأرت وفيه الوليد بن مسلم وسبق أنه ثقة مدلس‏.‏

2895 - ‏(‏إياك ونار المؤمن لا تحرقك‏)‏ أي احذرها لئلا تحرقك يعني احذر أذى المؤمن فإن النار تسرع إلى من آذاه كهيئة الاختطاف فمن تعرض بمكروه أحرقه بنار نوره وذلك لأن لكل نور نار ولكل نار حريقاً وحريق كل نار على قدره وعظم كل مؤمن على قدر نوره ونوره على قدر قربه ودنوه من ربه فاعلم أن الكلام في المؤمن الكامل فهو الذي له نار تحرق فأما غيره فلا نار له محرقة وإنما معه نور التوحيد فمن تعرض لأذى الكامل فقد تعرض للهلاك فليحذر من النظر إليه بعين الإزراء وإن وقعت منه هفوة أو هفوات ‏(‏فإنه وإن عثر كل يوم سبع مرات‏)‏ أراد التكثير لا التحديد وإن تكرر منه السقوط في الكبوات والهفوات كل يوم ‏(‏فإن يمينه‏)‏ أي يده اليمنى ‏(‏بيد اللّه‏)‏ بمعنى أنه لا يكله لنفسه ولا يتخلى عنه بل يقيله من عثرته ويعفو عن زلته ‏(‏إذا شاء أن ينعشه‏)‏ أي ينهضه ويقوي جانبه ‏(‏أنعشه‏)‏ أي إذا شاء أن يقيله من عثرته أقاله فهو ممسكه وحافظه وإنما قدر عليه تلك العثرة ليجدد عليه أمراً ويرفع له شأناً وقدراً إن أحدكم ليدخل الجنة بالذنب يصيبه وليست تلك عثرة رفض بل عثرة تدبير فعثرات الأولياء تتجدد لهم بها كرامات ويبرز لهم ما كان غيباً عنهم من المحبة والعطف فينعشهم بذلك‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏عن الغار بن ربيعة‏)‏ لم أر في الصحابة فيما وقفت عليه من اسمه كذلك فلينظر‏.‏

2896 - ‏(‏إياكم‏)‏ بالنصب على التحذير ‏(‏والطعام الحار‏)‏ أي تجنبوا أكله حتى يبرد ‏(‏فإنه‏)‏ أي أكله حاراً ‏(‏يذهب بالبركة -قوله‏:‏ يذهب بالبركة الباء للتعدية أي يذهب بمعظمها- إذ الآكل منه يأكل وهو مشغول بأذية حره فلا يدري ما أكل ‏(‏وعليكم بالبارد‏)‏ أي الزموا الأكل منه ‏(‏فإنه أهنأ‏)‏ للأكل ‏(‏وأعظم بركة‏)‏ من الحار، فإن قلت‏:‏ أول الحديث ناطق بأنه لا بركة فيه وختامه يشير إلى أن في كليهما بركة لكنها في البارد أعظم فهو كالمتدافع قلت‏:‏ يمكن حمل قوله أولاً يذهب بالبركة على أن المراد بمعظمها لا كلها فلا تدافع‏.‏

- ‏(‏عبدان في‏)‏ كتاب معرفة ‏(‏الصحابة عن بولا‏)‏ بموحدة غير منسوب قال ابن حجر‏:‏ الحديث إسناده مجهول كذا أورده أبو موسى بالموحدة لكن ذكره عبد الغني في المؤتلف بمثناة فوقية وهو الصواب وذكره ابن قانع بالموحدة فصحفه وأخطأ في إسناده اهـ ملخصاً‏.‏

2897 - ‏(‏إياكم والحمرة‏)‏ أي اجتنبوا التزين باللباس الأحمر القاني ‏(‏فإنها أحب الزينة إلى الشيطان‏)‏ بمعنى أنه يحب هذا اللون ويرضاه ويعطف على من تزين به ويقرب منه وهذا تمسك به من حرم لبس الأحمر القاني كالحنفية‏.‏

- ‏(‏طب عن عمران بن حصين‏)‏ قال الديلمي‏:‏ وفي الباب عبد الرحمن بن يزيد اهـ قال الهيثمي‏:‏ رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما يعقوب بن خالد بن نجيح البكري العبدي لم أعرفه وفي الآخر بكر بن محمد يروي عن سعيد عن شعبة وبقية رجالهما ثقات‏.‏

2898 - ‏(‏إياكم وأبواب السلطان‏)‏ أي اجتنبوها ولا تقربوا باباً منها ‏(‏فإنه‏)‏ يعني باب السلطان الذي هو واحد الأبواب ‏(‏قد ‏[‏ص 121‏]‏ أصبح صعباً‏)‏ أي شديداً ‏(‏هبوطاً‏)‏ أي منزلاً لدرجة من لازمه مذلاً له في الدنيا والآخرة ثم إن لفظ هبوطاً بالهاء وهو ما وقفت عليه في نسخ هذا الجامع والذي وقفت عليه في نسخ البيهقي والطبراني حبوطاً بحاء مهملة أي يحبط العمل والمنزلة عند اللّه تعالى‏.‏ قال الديلمي‏:‏ وروي خبوطاً بخاء معجمة والخبط أصله الضرب والخبوط البعير الذي يضرب بيده على الأرض اهـ وإنما كان كذلك لأن من لازمها لم يسلم من النفاق ولم يصب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينه أغلا منه وهذه فتنة عظيمة للعلماء وذريعة صعبة للشيطان عليهم سيما من له لهجة مقبولة وكلام عذب وتفاصح وتشدق إذ لا يزال الشيطان يلقي إليه أن في دخولك لهم ووعظهم ما يزجرهم عن الظلم ويقيم الشرع ثم إذا دخل لم يلبث أن يداهن ويطري وينافق فيهلك ويهلك‏.‏

- ‏(‏طب عن رجل من بني سليم‏)‏ يعني به الأعور السلمي‏.‏ قال الهيثمي‏:‏ رجاله رجال الصحيح ورواه أيضاً باللفظ المزبور عن أبي الأعور المذكور أبو نعيم والديلمي والبيهقي في الشعب‏.‏

2899 - ‏(‏إياكم ومشارة الناس‏)‏ في رواية مشارة بفك الإدغام مفاعلة من الشر أي لا تفعل بهم شراً تحوجهم إلى أن يفعلوا بك مثله ‏(‏فإنها تدفن الغرة‏)‏ بغين معجمة مضمومة وراء مشددة الحسن والعمل الصالح شبهه بغرة الفرس وكل شيء ترتفع قيمته فهو غرة ‏(‏وتظهر العرة‏)‏ بعين مهملة مضمومة وراء مشددة وهي القذر استعير للعيب والدنس ورأيت بخط الحافظ ابن حجر في اللسان العورة بدل العرة قال رجل للأعمش‏:‏ كنت مع رجل فوقع فيك فههمت به فقال‏:‏ لعل الذي غضبت له لو سمعه لم يقل شيئاً وقيل لبعضهم‏:‏ فلان يبغضك قال‏:‏ ليس في قربه أنس ولا في بعده وحشة وقال مالك لمطرف‏:‏ ما تقول في الناس قال‏:‏ الصديق يثني والعدو يقع قال‏:‏ وما زال الناس هكذا عدو وصديق لكن نعوذ باللّه من تتابع الألسنة كلها‏.‏

- ‏(‏هب عن أبي هريرة‏)‏ ظاهره أن البيهقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه تفرد به الوليد بن سلمة الأردني وله من مثال هذا أفراد لم يتابع عليها اهـ والوليد هذا أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال‏:‏ تركه الدارقطني ورواه الطبراني أيضاً قال الهيثمي‏:‏ ورجاله ثقات إلا أن شيخ الطبراني محمد بن الحسن بن هديم لم أعرفه‏.‏

2900 - ‏(‏إياكم والجلوس‏)‏ أي احذروا ندباً القعود ‏(‏على‏)‏ في رواية في ‏(‏الطرقات‏)‏ يعني الشوارع المسلوكة وفي رواية الصعدات بضمتين وهي كالطرقات وزناً ومعنى وذلك لأن الجالس بها قلما سلم من رؤية ما يكره أو سماع ما لا يحل والاطلاع على العورات ومعاينة المنكرات وغير ذلك مما قد يضعف القاعد عليها عن إزالته فقالوا‏:‏ ما لنا من مجالسنا بدُّ نتحدث فيها فقال‏:‏ ‏(‏فإن‏)‏ وفي رواية فإذا ‏(‏أبيتم‏)‏ من الإباء ‏(‏إلا‏)‏ بالتشديد ‏(‏المجالس‏)‏ بفتح الميم مصدر ميمي أي إن امتنعتم إلا عن الجلوس في الطريق كأن دعت حاجة فعبر عن الجلوس بالمجالس وفي رواية فإن أتيتم إلى المجالس بالمثناة وبإلى التي للغاية ‏(‏فأعطوا‏)‏ بهمزة قطع ‏(‏الطريق حقها‏)‏ أي وفوها حقوقها الموظفة على الجالس فيها قالوا‏:‏ يا رسول اللّه وما حق الطريق قال‏:‏ ‏(‏غض‏)‏ وفي رواية لأحمد غضوض قال أبو البقاء‏:‏ جمع غض وجاز أن يجمع المصدر هنا لتعدد فاعليه ولاختلافه قال‏:‏ ويجوز أن يكون واحداً كالقعود والجلوس ‏(‏البصر‏)‏ أي كفه عن النظر إلى المحرم ‏(‏وكف الأذى‏)‏ أي الامتناع مما يؤذي المارة من نحو إزراء وغيبة ‏(‏ورد السلام‏)‏ على المسلم من المارة إكراماً له ‏(‏والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏)‏ وإن ظن أن ذلك لا يفيد أي ونحو ذلك كإغاثة ملهوف وتشميت عاطس وإفشاء سلام وغير ذلك من كل ما ندبه الشرع من المحسنات ونهى عنه من المقبحات وزاد أبو داود وإرشاد السبيل والطبراني وإغاثة الملهوف، والنهي للتنزيه لئلا يضعف الجالس عن أداء هذه الحقوق واحتج به من قال إن سد الذرائع أولوي لا لزومي لأنه أولاً نهى ‏[‏ص 122‏]‏ عن الجلوس حسماً للمادة فلما قالوا لا بد لنا منه فسح لهم فيه بشرط أن يعطوا الطريق حقها‏.‏

- ‏(‏حم د ق عن أبي سعيد‏)‏ الخدري قال الديلمي‏:‏ وفي الباب أبو هريرة وغيره‏.‏

2901 - ‏(‏إياكم والظن‏)‏ أي احذروا اتباع الظن واحذروا سوء الظن بمن لا يساء الظن به من العدول والظن تهمة تقع في القلب بلا دليل قال الغزالي‏:‏ وهو حرام كسوء القول لكن لست أعني به إلا عقد القلب وحكمه على غيره بالسوء أما الخواطر وحديث النفس فعفو بل الشك عفو أيضاً فالمنهي عنه أن تظن والظن عبارة عما تركن إليه النفس ويميل إليه القلب وسبب تحريمه أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءاً إلا إذا انكشف لك بعيان لا يحتمل التأويل فعند ذلك لا تعتقد إلا ما علمته وشاهدته فما لم تشاهده ولم تسمعه ثم وقع في قلبك فإنما الشيطان يلقيه إليك فينبغي أن تكذبه فإنه أفسق الفساق انتهى وقال العارف زروق‏:‏ إنما ينشأ الظن الخبيث عن القلب الخبيث لا في جانب الحق ولا في جانب الخلق كما قيل‏:‏

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه * وصدق ما يعتاده من توهم

وعادى محبيه بقول عدوه * وأصبح في ليل من الشك مظلم

‏(‏فإن الظن‏)‏ أقام المظهر مقام المضمر إذ القياس فإنه لزيادة تمكن المسند إليه في ذكر السامع حث على الاجتناب ‏(‏أكذب الحديث‏)‏ أي حديث النفس لأنه يكون بإلقاء الشيطان في نفس الإنسان واستشكل تسمية الظن حديثاً وأجيب بأن المراد عدم مطابقته الواقع قولاً أو غيره أو ما ينشأ عن الظن فوصف الظن به مجازاً‏.‏ قال الغزالي‏:‏ من مكائد الشيطان سوء الظن بالمسلمين ‏{‏إن بعض الظن إثم‏}‏ ومن حكم بشيء على غيره بالظن بعثه الشيطان على أن يطول فيه اللسان بالغيبة فيهلك أو يقصر في القيام بحقوقه أو ينظر إليه بعين الإحتقار ويرى نفسه خيراً منه وكل ذلك من المهلكات ولذلك منع الشرع من التعرض للتهم‏.‏